لاشك
أن الذاكرة تحتفظ بصورة الوقائع في سياق تسلسلها وإطاريها الزماني
والمكاني، ومن الطبيعي أن يكون ذلك نافذة يطل من خلالها على الذكريات
المخبأة كبيرها وصغيرها، حلوها ومرها، المنفصل منها والمزيج، العام
والخصوصي، أو التمكن من رؤية الماضي في صورة الحاضروالبحث عن مرتكزات آمنة
مستقبلا.
إنها
حقيقة تصنع يوميات البشروتصوغ جوهر أفكارهم وأساليب حياتهم ونشطاتهم،
تواترها قهري واستغلالها اختياري للفرد والجماعة، وقد يكون التواترسديدا
بقدر صدق المشاعر والنوايا ودقة االتصور والرؤى وقد يكون غيرذلك بتأثير
المحيط…
المهم،
لا أعلم أين أصنف ماعادني من الذكريات حين انعطفت في المدخل الرئيسي
للجمعة بني حبيبي المتفرع عن الطريق الوطني 43، عشية الثالث ماي ألفين
وعشرة.
وأنا
أستمع إلى آذان العصر ذو الصوت المميز المنبعث من المسجد العتيد المحافظ
على بساطته منذ تاسيسه في عام 1969م، لم أكن حينها قادرا على ترتيب أفكاري
لأسباب ارتبطت أساسا بالمشاهد القائمة التي يحمل جلها مورثات من سابق عهده.
لا
أتحدث عن النسيج العمراني الذي نما بشكل عفوي ومجهود المواطنين، لكن أجدني
مضطرا لقراءة صور ذلك النسيج التي تثير الذكريات المرة التي تحمل بصمات
سقوط أرواح ودمار ممتلكات وضياع أموال على يدي الاستعمار الفرنسي الغاصب،
وهي مشاهد تعبر بصدق عن الحقوق المسلوبة المعتدى عليها بالإهمال طيلة 48
سنة من عمر استقلال الجزائر، قد يقول قائل إن ذلك ناتج عن الترسبات الفكرية
للفعل الإستعماري التي يريد أصحابها الإبقاء على الأوضاع السائدة تزكية
للإدعاءات الاستعمارية ولايريدون تطورا لعوامل التقدم والازدهار الوطني،
هذا رأي نحترمه، لأن المسألة لم تخرج عن إطار اللعبة السياسية الكبرى التي
تجلت مخاطرها فيما شهدته البلاد خلال عشريتي الدماء والدمار، وبروز تصورات
طغت عليها روح التسسلط النخبوي والطائفية المقيتة والفساد،. وهوما يستحيل
معه بداهة وجود حياة مزدهرة في غياب ازدهارالعقل، كما يستحيل تصورها بدون
جملة من السلوكيات أساسا في سيرالشأن العام، كأن يمارس الفرد السلطة بعدل
واعتدال واضعا نصب عينيه دوما أنها وظيفة اجتماعية وليست مرقاة للتسلط،
والأكيد أن الفرد لو مورست عليه السلطة تسلطا أوقهرا اوظلما فإنه ينتفض
منتصرا لحقوقه و حرياته، وإن مورست عليه قانونا وعدلا سيكون لها السميع
المطيع، ومن هذا المنطلق يمكننا قراءة طبيعة علاقة السلطة المهيمنة على
الواقع، لنكتشف بسهولة أن الاستبداد هو القاعدة في كل المستويات. فأينما
ولّيت وجهك لا ترى سوى نموذجا مصغرا لمستبدّ قابع فوق عرش السلطة السياسية
والسؤال المطروح هو: لماذا فشل سكان الجمعة بني حبيبي في تغيير وضعهم الذي
لا يزال على حاله منذ سنة 1962م؟ هل أن الذين تبوأوا العمل البلدي في هذه
البلدية جاءوا بكفاءتهم الشخصية، أم أن جهات سياسية كبرى جاءت بهم ولها
منفعة في خذلانهم للرعية، أم أن السكان لم يجدوا من يطالبونه بالعدالة في
التعامل معهم كمواطنين؟
اعتقد
ان المنطقة التي شهد لها العدو قبل الصديق بالمقاومة الباسلة اثناء
الغزوالفرنسي وماقدمته من تضحيات أيام ثورة التحرير 1954-1962م، لاينقص
أبناءها عزم ولا إرادة، فالإرادة التي ولدت مع التلسلط الإستعاري وقساوة
الاوضاع ومعاناة الحرمان بعد الإستقلال هي إرادة قادرة على التخلص من رواسب
الماضي الثقيل الذي كثيرا ما أعيد إنتاجه تحت غطاءات مختلفة.
لكن
دخول البلاد في دوامة سوء التسييس وهمجية الإرهاب، كان له وقع كبير على
سكان القرية التي عانت أكثر من غيرها خلال تلك السنوات الحزينة من تاريخ
الوطن، حيث شهدت المنطقة هجرتين مختلفتين أولها الهجرة إلى المدن بحثا عن
ضرورات الحياة والأمن، والثانية هجرة الشباب اشباعا لحاجاتهم المعرفية،
فانخفض عدد السكان بدل ان يزداد. عوامل نفسية وأخرى موضوعية من فقر وحرمان
وتهميش الخ، إضافة إلى العوامل الخارجية التي لها علاقة مباشرة أو غير
مباشرة بظاهرة العولمة وهي جميعا بمثابة التربة التي يسهل فيها استنبات
العنف في الأوساط الإجتماعية الواسعة، وبروز روح الاتكالية. انها متاعب
نتجت دون شك عن بيروقراطية هجينة ذات اتجاهات متباينة طبعت نظام الحكم
عندنا منذ الاستقلال، فتعددت بموجبها الأزمات الراهنة التي فضحت اخفاقات
الإدارة في تسيير الشأن العام.
صور
من الماضي قائمة بما أصابها من تشوهات، وحاجات غائبة وحقوق مهضومة، تلكم
هي معانات أبناء الجمعة. لامصلحة لي بالمعنى المحدود والضيق للمصلحة بهذا
الحديث.. لكنني مواطن عايشت مرحلة من المعاناة وشاركت في تدشين التعليم
النظامي بالجمعة، وأعتز أنني انتمي إلى هذه المجموعة الأكثر وعيا وتحضرا
رغم العوائق، ويسعدني ما تحرزه وترتقي إليه من المراتب، وأدرك أنه ليس
كالعلم والتعليم ما يحقق أو يسهم بالنصيب الأكبر في تحقيق سعادة البشر، وقد
سبق لي أن كتبت عن الموضوع ونبهت للنقائص في شتاء عام 1972م عبر جريدة
النصر.
تطورالتعليم – التأطير والهياكل المرحلة الأولى1967-1972خلال المرحلة {1962~1967}، أحتفظت القرية بمدارس الثورة والكتاتيب، وخلال السنة الدراسية 67\68م دشن التعليم النظامي بثلاث مدارس :
-
مدرسة القعدة (طالب عبد الكريم)، بحجرتين بناهما المواطنون، أطرها
المعلمون : عبد النور، عبد الرشيد بوالشعر، رابح خفيف مولود بوحيلة، صالح
ساحلي، وهي اليوم تتربع على مساحة 1500م2 و18 حجرة وجميع المرافق ومطعم
يكفي لـ 640 تلميذ وتلميذة.
-
مدرسة تاجوست (احمد بو اشعر)، بثلاث حجرات أطرها المعلمون : محمد بوكحيل،
الهاني بلعايب، كمال باخه وهي اليوم بخمس حجرات وبعض المرافق، لكن انخفض
بها عدد التلاميذ إلى ما دون الثلث.
-
مدرسة تيسبيلان (حامول أحسن) بثلاث حجرات، أطرها المعلمون : بورويس صالح، و
لخضر فنور وبلحملاوي، وهي اليوم بست حجرات وبعض المرافق وقد حافظت على عدد
التلاميذ بسبب النزوح وفتح مدرستي عفاقي أحسن وبوحبيلة احمد، مع الاشارة
الى افتتاح مدرسة بولعسل علي في هذه المرحلة.
وقد
عرف التسجيل لأول مرة بالمدارس الثلاث مشاكل السن والمستوى، فالسن
القانوني المطلوب كان 7 سنوات فما فوق، يطلب شهادة مدرسية وشهادة الكتاب او
المدرسة الشعبية المنشأة أيام الثورة غير مقبولة، وهو مايحرم الكثير من
الأطفال، ما جعل المعلمون يلجأون إلى التحايل على الإدارة التعليمية
والبلدية، ويسجلون أعدادا اصبح جلهم فيما بعد اطارات، وهو عمل يشكر عليه
هؤلاء المعلمين الذين ناضلوا رغم انعدام الكهرباء والماء والتدفئة ووسائل
التدريس.
المرحلة الثانية من 1972 إلى اليومالتعليم في الجمعة بني حبيبي - ولاية جيجل
خلال
48 سنة من عمر الإستقلال ارتفع عدد المدارس إلى 11 ابتدائية وإكمالية
عاملة وأخرى جاهزة للإستعمال، لكن متاعب الأولياء والتلاميذ لم تنته، ذلك
أن الإكمالية غير كافية والتلاميذ يوجه بعضهم إلى بلدية العنصر أو قرية
بلغيموز مدغري، وإلى ثانويات العنصر وبلغيموز وسيدي عبد العزيز والميلية،
مع متاعب النقل إذ يقطع بعض التلاميذ مسافات تصل إلى 20 كلم، مع ما يعرف
القطاع من ضعف الإمكانات المادية :
المدرسة الابتدائية عفاقي احسن - الجمعة بني حبيبي - ولاية جيجل
يوجه إلى :إكمالية رويبح حسين، الجمعة بني حبيي، تلاميذ المدارس : – طالب عبد الكريم – اعفاقي أحسن – بوالقدرة س – جحا سعد – المجمع المدرسي.
إكمالية
البشير الإبراهيمي ببلغيموز بلدية العنصر تلاميذ المدارس : – بوحبيلة احمد
– بوالشعر أحمد – بوكحيل مبارك – حامول احسن – احميدات عمر – بولعسل علي.
ورغم ذلك يصل إلى الثالثة ثانوي 78 بالمئة من جملة المتمدرسين، ويحصل على الشهادات الجامعية ماينيف عن 34 بالمئة.
تلاميذ
المرحلة الاولى تمكنوا من الهجرة الداخلية بفضل مناصب العمل أما في
المرحلة اللاحقة فإن البطالة هي مآل العديد من الشبان والضياع يهددهم في
خضم الشعارات الجوفاء (من أجل حياة أفضل – والعزة والكرامة و…). ما يضع
نقطة استفهام كبيرة حول مصيرالمنطقة ومستقبل الأجيال بها خاصة لما يتبنى
المسيرون في شكل خاص موقفاً سلبياً تجاه الفئات الاجتماعية التي يتسم دخلها
بالضعف. ويأتي هذا الموقف على أساس التمييز بين أشكال الدخل التي تنتج
كمردود لجهد معين، وتلك التي يتم تحصيلها بغير مجهود مع الأسف الشديد.