العدل لا تمــطــــره الســمــاءُ
العدل لا تمــطــــرُه السَّــمــاءُ*****والجور قد يرفعُــــــه الدعـاءُ
و الظلم لا يغالــــبه نـــحيـــبٌ ***** والحق لا يـنـاصـره الـبـكــاءُ
فــلا تركـع لغـيـر الله يـومـــاً ***** فخـلـق الله أصــلـهـمُ ســواءُ
ولا تجزع في الشدائد أوتُداهنْ *****وكُن جَلـْداً ولو غلب العـيـاءُ
لئنْ ترضخ مُهانا خوفَ بطشٍ ***** فنفس الحُرِّ يجـرحُها انـحناءُ
وبطشُ الله لـــيــس لــه مــردٌّ ***** وبطش العــبـدِ أقصاهُ انـتهاءُ
وحـكـمُ الظلم ليـس لـه دوامٌ ***** وحكـم الحق شــيمـتُه الـبـقـاءُ
وغمضُ العين عن شرّ ضلالٌ ***** وغضّ الطرف عن جورٍغباءُ
فجاهِر بقـول الحقِّ واصْـــبِرْ***** وعــند الله فـي ذاك الـجــزاءُ
بِقولِ الصدقِ أوصى أتـقـيـاءٌ ***** بـقول الصدق أوصى أنـبيـاءُ
ولا تخــذلْ ضعيفا أو غـــريباً***** وعــندك قــدرةٌ ولـــه رجــاءُ
لئنْ تـبخــلْ بـمال أو بـعــلـــمٍ***** فـطبْـعُ الأكرَمين هو السّـخاءُ
وإنْ تـبذلْ بقرشٍ عــزَّ نـفــسٍ ***** فـعِـــزّ النفس سومـته غــلاءُ
ويــمدحُ مادحٌ قـومًا لــكـــسبٍ ***** ومِــــلءُ فـؤادِه لـــهُـمُ هـجاءُ
ولو نطقَ النـفاقُ بحرفِ رُشـدٍ ***** فــقد لا يُعـــوزُ الغـيَّ الـذّكاءُ
وإن لبسَ الظلامُ لَبُوسَ ضوءٍ ***** فـإن الفـسـقَ لـيس له حيـاءُ
وقد يبدو الخطيبُ وعاءَ عـلمٍ ***** وكــــلّ كلامه عســلٌ صفــاءُ
فتحسبه أبرَّ الــنــاس لـكــــنْ ***** إلى الإخلاص ليس له انـتماءُ
وإنَّ فــساده من شــرِّ جِـنْـسٍ *****وقــد عَــلِقـتْ بذِمَّـته دِمــــاءُ
وإنَّ الأمــنَ كلَّ الأمـنِ عــدلٌ *****يـُلاذ بظــلّه و به احـتـمـــاءُ
ورمز القسط قاضٍ قد تساوَى ***** ذَوُو ضـعـفٍ لديهِ وأقـويــاءُ
وعينُ القسط مـيـزانٌ تساوَى *****أخو فــقـــرٍ لــديهِ وأغـنيـاءُ
فإن صلُحَ القضاء فـنمْ قريراً *****وإنْ فسدَ القضاء فما العزاءُ
وإن وَهَنَ القضاةُ طغى طغاةٌ ***** سلاحهُمُ الخراب والاعـتداءُ
إذا ما الــرياءُ فـَـــشَا بــشعبٍ *****وأوشـك أنْ تُعاقـبه السمــاءُ
وأضـحى للمظاهر ألـفُ شأنٍ*****وغاب عن الجواهرِ الاعتناءُ
وأعدِمَتِ المروءةُ ليت شعري *****يُــشــيِّـعـها لمَـرقــدهـا رثـاءُ
وصاح الـجهل يعلو كل صوتٍ *****كدأبِ الــسَّـيلُ يعـلـوه الغـثاءُ
ونــُظـِّـم للسـفـاهةِ مهـرجـانٌ *****لـتعـبثَ بالأنـامِ كـما تــشــاءُ
وأمسى لِلِّــئام بهـم ضجـيـجٌ *****وأسْـنِـدَ للــقـراصنة اللِّـــواءُ
وطأطأت الرؤوس لهُمْ وهانتْ*****كـحال الليث ترْهَـبُه الظـِّبـاءُ
هلـمّوا ارتَعوا وارْعَوْا هـنيـئاً***** فعُـشـبُكم الـتَّـفاهة والهُـراءُ
وتيهوا في الهضاب وفي الروابي*****تُرافـقـكـم بَهـائِـمُـكمْ و شَـاءُ
ولا تسألوا عن أشياءَ أنــتــمْ*****لضُعفِ عُقولِكم مـنها بــراءُ
فمنْ يُزعِجْ يكنْ للسوطِ أهلاً*****ومَن يرضخْ يُصانُ ولا يُساءُ
وإنَّ سـيـوفـنا لـتَحِـنّ شـوقـاً *****لكسر عنادكـم و لهـا مَـضاءُ
فأفـــضَـلكُمْ لأبسطِـنا خديــمٌ *****وأشـرفـكُمْ لأحــقــرنــا فِـداءُ
لنـا الدنـيـا و زيـنـتـها وأنتـمْ *****سعـادتـكمْ شقـاوتــكـمْ سواءُ
لنـا الدنـيـا و زهرتـها وفزتمْ ***** بجـنّـتـكـم فــنِعْـمَ الاكْــتـفـاءُ
فــلو شـبَّت لفرط الغـشِّ نـارٌ ***** فلـن تُـجـدي لتخـمـدها دلاءُ
أوِ ِانهارت سقوفٌ فوقَ جَمعٍ***** فـدونـكمُ التـضرّعُ والدعــاءُ
دعُـونا من محاسبةٍ دعـونـا ***** فتـلك خـُرافـة وَهْـــمٌ هــبـاءُ
دعُـونا من مساءلةٍ دعـونـا ***** أصَـوْتكُـمُ نهـيـقٌ أم ثـُـغـــاءُ؟
ضمائـرنا تُـقايَضُ في مَـزادٍ*****فـبـيـعٌ أو رهــانٌ أو كـــراءُ
وفي ترفِ القصورِ لنا مجونٌ *****وفي حُضن الغواية الارتماءُ
تـداعبـنا الكواعبُ إن سهرنَا ***** ويُـطـربـُنا إذا شِـئـنا غــنــاءُ
ونوغِــلُ في المآدب دون حَدٍّ ***** ويـسعــِدنا نـديمٌ و احـتـسـاءُ
وفـي بذخ الثـراء لـنا نعــيــمٌ ***** وفي دِفْءِ الحصانةِ الارتشاءُ
وأمـــوالٌ تُـــبـدِّدُها طـقــوسٌ ***** وأعـــرافٌ تجــاوزهـا البِلاءُ
وقـيـل محاسنُ الأخلاق وهْمٌ ***** وأذعنتِ الرقابُ لمنْ أساؤوا
لأقـزامٍ إذا دَهـمــتْ خـطــوبٌ *****عـمالـقـةٍ إذاُ وُضِـعَ الشـِّـواءُ
فلا تحزَنْ ولا يـغلـِبْــكَ يـــأسٌ***** وقمْ أصـلحْ ولو طـفـحَ الإناءُ
وقمْ أصلِح ولو مقدارَ شـِسْـعٍ *****وهل يُـجدي بلا شِسْـعٍ حذاءُ؟
ولا تحقِرْ من المعروف شيئاً ***** وبالأجـزاء يكـتـمـــلُ الـبناءُ
ولو تخلـُد لزُهــدٍ طـــولَ دهــرٍ *****فلن يصنعَ التـاريخَ انـزواءُ
ولـن يـُـنجـزَ التجـديـدَ عـقـــلٌ*****طبيعـته الخُمولُ و الارتخاءُ
وعـند تلاحق الأحـداث ساهِمْ ***** وكنْ سَمحًا إذا احْتَدمَ المِراءُ
فإن تسلُكْ دروب العنف جهلاً ***** تلاقـيـك الضَّغــينة و العــداءُ
وعنفُ اللفـظ إذ يدمي جراحـاً *****فـحاذِر وَقـْــعَــه فهُـو الوبـاءُ
وفـي قِـيَمِ الجـمال فـلا تُفـرِّطْ *****فإنَّ الـرِّوحَ ينعـشها الـنقـاءُ
وكُنْ ضيفَ الروائع والقوافي *****فنِعمَ المُضيف ونِعـمَ القِـراءُ
وسلّح بالعلومِ بَنيـك واسمـعْ *****صدى صـوتٍ يُـردّده حِـراءُ
نـداءٌ يَـمـلأ الدّنـيـا إلـى مَـنْ ***** مَطـيَّته البُراقُ و القَـصْواءُ
فـأمـسِـك بكـلِّ مِـنهجِـه وإلاَّ *****تَقاذفـُك الشكـوك والأهـواءُ
وعن سِحر البيانِ فلا تَسَلني *****ومن غيثِ البلاغةِ الارتواءُ
وفي يمِّ المعارفِ غُصْ ونقِّبْ *****فـلــمْ يُدرَك بـلا عِـلـمٍ نـمـاءُ
وأما الـبـرلمانُ فــلا تـراهــنْ *****عليه ولا يداعبْك انـتـشـــاءُ
فــراغٌ فـي مقـاعـده و هــزلٌ *****وتـضييعٌ للأمـانةِ وافـتــراءُ
هــنـا حــزبٌ يغـالـبه ســبـاتٌ *****هنا حـزبٌ فضـائحه عـــراءُ
وأحـزابٌ سـيُـنهِـكُها نـزيـفٌ ***** كما جحدتْ جدودها أبـنــاءُ
وأحـزابٌ قـيـادتها احـتـكــارٌ *****فأين الإنتخابُ والاصطـفاءُ؟
وأحلافٌ قد اهترأت وشاختْ ***** و لم يُسعِفْ تجعّـدها طـلاءُ
وأشباحٌ عن الجلسات غابـو*****ا ويوم تَقاسُمِ الأمـوال جاؤوا
وأحـــبـابٌ يـمزقـهـم نـــزاعٌ *****وأشـتـاتٌ يـرقـِّـعـها لـــقــاءُ
فلا نـدري يســارٌ أم يمـــيـنٌ *****ولا نـــدري أمــــامٌ أم وراءُ
ولا نـدري عــدوّ أم صديــقٌ *****وكم دورٍ تَـقـمّـصتْ حِـرباءُ
وإن نكث اليسارُ يمينَ عهـدٍ *****فقد لا يحفظ المسكَ الوعاءُ
وقد هتفَ اليمينُ أتيتُ ركضاً *****على ظهر اليسار ليَ امتطاءُ
وبعضُ عزائمِ الزعَماءِ صخرٌ *****وبعض عزائم الزعَماءِ ماءُ
وبعض مواقف الأمواتِ حيٌ ***** وأحـياءٌ بـمـوتِهمُ احـتـفــاءُ
وإنْ تبحَثْ عن العُقلاء تَـتْعَبْ*****ويعصِفُ بالتفاؤلِ الاستـياءُ
يـطالعُـك الخطابُ بألفِ وعدٍ *****وحين الحسمِ ينكشف الغطاءُ
فـتـسـألُ أين وعْـدُكمُ أجيبوا *****يُجيبُك الاضطراب والالتواءُ
وتـسـألُ هـل لـذِمّـَتكـم وفـاءٌ *****يُجيبك مَن سألتَ وما الوفاءُ؟
وتسألُ أنتَ تسْخرُ من ذكائي؟*****يُجيبك يا مُغــفـَّـلُ ما الذكاءُ؟
وتسألُ قد سمعتَ فلا تُراوغ *****يُجيـبك قدْ جـفانيَ الإصغـاءُ
وتـسـألُ مَنْ بأيـديهـمْ قـرارٌ؟ *****يجيـبك قد تـعــذر الإنــبــاءُ
وتسألُ والكرامة ُيا صديقي؟*****يُجيبُك لمْ يـعُــد لي أصدقـاءُ
فتمضي حائرًا يا ويح قومي *****ما هذا السَّـقام وما الوقــاءُ؟
أ وَقـْـرًٌ عَـطـَّل الأسـماعَ مِـنّا *****ورَان على بصائرنا غِـشاءُ
أًصُـفِّدتِ الـمفاهــمُ في قــيـودٍ *****ولم يكفِ الخديعةَ الاستـلاءُ؟
لــئنْ تهجرْ معاجِمَها المعاني ***** فـلــن يَـبـقى لأقـلامٍ غِــــذاءُ
ومـا ذنـبُ الحـداثة أثخـنـوها *****وهل يُخفِي الجريمةَ الاختفاءُ؟
وهل سَلْب الإرادةِ صار فرضاً *****وخلف السِّترِ يَقـبعُ أذكـيـاءُ
وما حَسْبُ المبادئ من جحودٍ ***** وهل قَـََدَرُ القواعد الازدراءُ؟
وإنْ تلُمِ المواطنَ عن عزوفٍ *****فقد قُطِعَتْ مع النخبِ الرِّشاءُ
وإن أجـهـضـوا الآمال غدراً *****فـغـدرهُمُ سيُجهـضه الإبــاءُ
وعهدُ المخلصـين يـُبَـرّ دومـًا *****وعهــد المكر يُخطِئه الوفاءُ
وكــلّ عـلـيلة تُـشـــــفى بطِـبٍّ *****وحــبّ المال ليسَ له شفـاءُ
تبايـعُهُ الـقـلـوب ولا تُـبـــالـي*****لـسـلـطـته عـــبـيدٌ أو إمــاءُ
وعشقُ الحُكم إذ يـُطغِي رجالاً *****إذن تســـعى لـتأسرهم نساءُ
وذو الكـِبْر لا يُصـغي لـنُـصـحٍ *****وذو الـعُجـبِ يزعـجـه النداءُ
ومن يضجرْ بهَمس النقدِ تيهاً *****و تــُغريـه البطانة والـثـنــاءُ
يـقـول أنا الكـمال أنا الـثـريَّا *****ومن قـَبَسي مَعالمكم تـُضـاءُ
وأفــضالي تنوءُ بهـا مُتـونٌ *****ولا يُـطيقُ شمائلي الإحصاءُ
فـيـصبح هائماً بالمدح عـبدًا *****و يَـغلـبه التضايقُ والجــفاءُ
يـبـرِّئُ نفسهُ من كلِّ عـيــب *****وأعــظـم عـيبـه ذاك الـبراءُ
فإن مــناقـب العظماءِ حِـلــمٌ *****وَأخْـــٌذ بالمشورةِ و اهـتـداءُ
وخيرُ طـبائع الحـكـماءِ رفــقٌ*****وسَـمْـتُهُمُ التواضع و الحياءُ
وحَقـل الفــكر بالأضـدادِ ينمو *****قــِوامُ نـشـــاطه نـَعَــمٌ ولاءُ
وإن تـعَـدّدَ الأقــوال فــضــلٌ *****وكــسبٌ للجماعة و اغـتنـاءُ
وما نجحـتْ أُمـمٌ سوى بصـدرٍ ***** فسيحٍ وقد أُقـْصِيَ الإقصـاءُ
فلا تُلـبِـسْ لذي عــلمٍ لجامــاً *****فــما ضاقـت بأنجُمها سماءُ
ولا تفرضْ على صُحفٍ رقيباً *****فـــإن رقــــابـــة الآراء داءُ
ولو تـــسلَّـلَ للإعـلام رهْـــٌط *****بـضاعته السخافـة والغـباءُ
فلا تذهلْ إذا صادفت جسمـاً *****وداخلُ عــقـله قَــفــرٌ خـلاءُ
لعلَّ رســالـة الإعـــلام نبـــلٌ *****ووعي بالحضارة و ارتـقاءُ
وشـأن الدهر يسرٌ بعـد عُسـرٍ*****ورغـد العـيش يتلـوه ابتلاءُ
تحاصرُك الشـدائـد ذاتُ بأسٍ *****ويُفرجها إذا انفـضَّت رَخاءُ
ويبصرُكَ الصباحُ عزيزَ قـومٍ *****ويسخَرُ من مذلتك المســاءُ
ويلقاك المصيفُ أنيسَ صَحْبٍ ***** فهل يأسى لوحشـتك الشتاءُ
وكنـــتَ مؤازَراً بــأخ وأخــتٍ***** فـلم يُعجِــزِ الحَـتـفَ الإخــاءُ
وإن تعجبْ فـيَا عجـباً لِمــيـمٍ *****تــستّـَر خـلـفَـها واوٌ وتـــاءُ
وإن تــسـألْ فـما أنــباءُ بـاءٍ***** تحـلّـَق حـولـها قــافٌ وراءُ
فإنْ يكنِ الحرير كـساءَ عُمْـرٍ ***** فيومَ الحشر يُعوزك الكساءُ
وإنْ تلبَسْ لعــيشـك ألف نعـلٍ***** فيوم الفصلِ يُدميك الحـفـاءُ
ويــومُ الفصـل ما أدراك يومٌ ***** حـرامٌ يَـنفـعُ الجـاني دهــاءُ
وسُـعِّرتِ الجحـيمُ لها لـهـيـبٌ ***** وأزلِــفـتِ الجِنانُ لهـا بهـاءُ
فإن تتبعْ خطى الشيطان تندمْ ***** تعشْ ضنكاً و يرهِقـْك العماءُ
وإن تلزمْ هُدى الرحمان تَسعدْ*****فرضوانٌ وفردوسٌ عــطـاءُ
ومَنْ يَـلجَـأ لـنـور الله يُـفــلِـحْ *****ونـــور الله لـيس له انطفاءُ
وأخـتمُ رافعـاً كـفـِّي إلـى مَـنْ *****على عرش الجلال له استواءُ
فـكـلُّ بــــــدائـــع الأكــوان آيٌ*****تـسبِّحُ حـمـدهُ و لــه الــولاءُ
هذه القصيدة ......... ل أحمد ابن الصديق
المغرب