بسم الله الرحمن الرحيم
ان الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا
وسيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضله الله فلا هادى له واشهد
ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمد عبده ورسوله ...اما بعد :
دين الإسلام مبني على أصول الإيمان المذكورة في قوله تعالى :
{ قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل
وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا
نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } [ سورة البقرة : الآية 136 ]
فهذه
الأصول العظيمة التي أمر الله عباده بها هي الأصول التي اتفق عليها
الأنبياء والمرسلون , وهي محتوية على أجل المعارف والاعتقادات , من
الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه على ألسنة رسله , وعلى بذل الجهد في سلوك
مرضاته .
فدين أصله الإيمان بالله وثمرته السعي في كل ما يحبه ويرضاه وإخلاص ذلك لله ...
هل يتصور أن يكون دين أحسن منه وأجل وأفضل ؟
ودين
أمر بالإيمان بكل ما أوتيه الأنبياء , والتصديق برسالاتهم , والاعتراف
بالحق الذي جاءوا به من عند ربهم , وعدم التفريق بينهم , وأنهم كلهم رسل
الله الصادقون , وأمناؤه المخلصون , يستحيل أن يتوجه إليه أي اعتراض وقدح
.
فهو يأمر بكل حق , ويعترف بكل صدق , ويقرر الحقائق الدينية
المستندة إلى وحي الله لرسله , ويجري مع الحقائق العقلية الفطرية النافعة
, ولا يرد حقا بوجه من الوجوه ....
ولا يصدق بكذب ولا يروج عليه الباطل فهو مهيمن على سائر الأديان :
يأمر
بمحاسن الأعمال ومكارم الأخلاق ومصالح العباد ; ويحث على العدل والفضل
والرحمة والخير , ويزجر عن الظلم والبغي ومساوئ الأخلاق . .
ما من
خصلة كمال قررها الأنبياء والمرسلون إلا وقررها وأثبتها , وما من
مصلحة دينية ودنيوية دعت إليها الشرائع إلا حث عليها , ولا مفسدة إلا نهى
عنها وأمر بمجانبتها .
والمقصود :
أن عقائد هذا الدين هي التي تزكو بها القلوب , وتصلح الأرواح , وتتأصل بها مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال .
شرائع الإسلام الكبار بعد الإيمان :
هي إقام الصلاة , وإيتاء الزكاة , وصوم رمضان , وحج البيت الحرام .
تأمل هذه الشرائع العظيمة وجليل منافعها وما توجبه من السعي في مرضاة الله والفوز بثوابه العاجل والآجل .
وتأمل
ما في الصلاة من الإخلاص لله والإقبال التام عليه , والثناء والدعاء
والخضوع , وأنها من شجرة الإيمان بمنزلة الملاحظة والسقي للبستان .
فلولا تكرار الصلاة في اليوم والليلة ليبست شجرة الإيمان , وذوى عوده ولكنها تنمو وتتجدد بعبوديات الصلاة .
وانظر إلى ما تحتوي عليه الصلاة من الاشتغال بذكر الله الذي هو أكبر من كل شيء وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر .
وانظر
إلى حكم الزكاة وما فيها من التخلق بأخلاق الكرام من السخاء والجود والبعد
عن أخلاق اللئام , والشكر لله على ما أولاه من الإنعام , وحفظ المال من
المنغصات الحسية والمعنوية , وما فيها من الإحسان إلى الخلق ومواساة
المحتاجين , وسداد مصالح المحتاج إليها ...
فإن في الزكاة دفع
حاجة المضطرين المحتاجين , وفيها الاستعانة على الجهاد والمصالح
الكلية التي لا يستغني عنها المسلمون , وفيها دفع صولة الفقر
والفقراء , وفيها الثقة بخلف الله والرجاء لثوابه وتصديق موعوده .
وفي
الصوم من تمرين النفوس على ترك محبوبها , الذي ألفته , حبا لله , وتقربا
إليه , وتعويد النفوس وتمرينها على قوة العزيمة والصبر .
وفيه تقوية داعي الإخلاص وتحقيق محبته على محبة النفس , ولذلك كان الصوم لله , اختصه لنفسه من بين سائر الأعمال .
وأما
ما في الحج من بذل الأموال وتحمل المشقات والتعرض للأخطار والصعوبات ,
طلبا لرضى الله والوفادة على الله والتملق له في بيته وفي عرصاته ,
والتنوع في عبوديات الله في تلك المشاعر التي هي موائد مدها الله لعباده
ووفود بيته , وما فيها من التعظيم والخضوع التام لله والتذكر لأحوال
الأنبياء والمرسلين والأصفياء والمخلصين وتقوية الإيمان بهم , وشدة التعلق
بمحبتهم , وما فيه من التعارف بين المسلمين والسعي في جمع كلمتهم واتفاقهم
على مصالحهم الخاصة والعامة مما لا يمكن تعداده , فإنه من أعظم محاسن
الدين وأجل الفوائد الحاصلة للمؤمنين .
إن دين الإسلام دين رحمة وبركة وإحسان , وحث على منفعة نوع الإنسان .
فما
اشتمل عليه هذا الدين من الرحمة وحسن المعاملة والدعوة إلى الإحسان ,
والنهي عن كل ما يضاد ذلك هو الذي صيره نوراً وضياء بين ظلمات الظلم
والبغي وسوء المعاملة وانتهاك الحرمات , وهو الذي جذب قلوب من كانوا قبل
معرفته ألد أعدائه حتى استظلوا بظله الظليل , وهو الذي عطف وحنا على أهله
, حتى صارت الرحمة والعفو والإحسان يتدفق من قلوبهم على أقوالهم وأعمالهم
, وتخطاهم إلى أعدائه , حتى صاروا من أعظم أوليائه . فمنهم من دخل فيه
بحسن بصيرة وقوة وجدان , ومنهم من خضع له ورغب في أحكامه وفضلها على أحكام
أهل دينه , لما فيها من العدل والرحمة .
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق وإمام المرسلين
دمتم برعاية الله
المصدر : الدرة المختصرة في محاسن الدّين الإسلاميّ
تأليف العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي